مفهوم إدارة المعرفة

 مفهوم إدارة المعرفة







المقدمة

شهدت البشرية تحولات جذرية في طريقة الوصول إلى المعرفة منذ اختراع الطباعة على يد يوهان غوتنبرغ في القرن الرابع عشر، حيث أسهم هذا الابتكار في تسريع إنتاج المعلومات ونشرها. ومع حلول القرن العشرين، دخل العالم مرحلة جديدة تُعرف بثورة المعلومات، حيث تضاعف حجم المعرفة البشرية بشكل غير مسبوق.

وقد فرض هذا الانفجار المعرفي تحديات كبيرة على الأفراد والمؤسسات، أبرزها كيفية تنظيم وتوظيف هذه الكميات الهائلة من المعلومات، مما أدى إلى ظهور مفهوم إدارة المعرفة كأداة استراتيجية تسهم في الحفاظ على المعرفة وتنميتها واستثمارها بما يخدم بقاء المؤسسات وتطورها.



🔹 أولًا: نشأة المعرفة ومكوناتها

تنشأ المعرفة من خلال تتابع منطقي يبدأ بـ البيانات، ثم تتحول إلى معلومات، ومنها إلى معرفة، وتنتهي بـ الحكمة:

  1. البيانات (Data):
    معلومات خام غير معالجة، لا تحمل معنى واضحًا بذاتها مثل (رقم، اسم، تاريخ).

  2. المعلومات (Information):
    بيانات مرتبة ومُنظمة تُقدَّم بشكل ذي معنى.

  3. المعرفة (Knowledge):
    معلومات يتم دمجها مع الخبرات السابقة لفهم موقف أو حل مشكلة.

  4. الحكمة (Wisdom):
    القدرة على استخدام المعرفة والخبرات في اتخاذ قرارات صائبة ورؤية الأمور من منظور استراتيجي أوسع.


🔹 ثانيًا: التفكير الإبداعي ودوره في توليد المعرفة

يُعد التفكير الإبداعي من أهم مصادر توليد المعرفة الجديدة. فهو ليس فقط موهبة فطرية، بل مهارة يمكن اكتسابها، تُتيح للفرد تحليل البيانات بطرق غير تقليدية، والتوصل إلى حلول وأفكار مبتكرة.


🔹 ثالثًا: أنواع المعرفة

1. المعرفة الضمنية (Tacit Knowledge):

  • موجودة في عقول الأفراد، تُكتسب من خلال الخبرة والممارسة.

  • يصعب توثيقها أو نقلها، لكنها تمثل أحد أهم أصول المؤسسة.

  • أمثلة: الحدس، المهارات اليدوية، القدرة على اتخاذ القرار.

2. المعرفة البيّنة (Explicit Knowledge):

  • معرفة موثقة يمكن مشاركتها بسهولة عبر تقارير، كتب، أدلة عمل.

  • تُشكل قاعدة معرفية قابلة للنقل بين الأفراد.


🔹 رابعًا: مفهوم إدارة المعرفة

تُعرف إدارة المعرفة بأنها عملية منهجية تهدف إلى توليد المعرفة واكتسابها وتنظيمها ومشاركتها وتطبيقها بفعالية داخل المؤسسات.

وفيما يلي مجموعة من أبرز التعاريف الأكاديمية:

  • Awad & Ghaziri (2002):
    "علم يُعنى بإدارة المعرفة في هيكل المنظمة من خلال التنسيق بين الأفراد، الإجراءات، المعلومات والتكنولوجيا."

  • د. سعد العتيبي:
    "مجموعة من العمليات التي تساعد المؤسسة على توليد وتنظيم وتطبيق المعرفة اللازمة لدعم اتخاذ القرار وحل المشكلات."

  • Hibbard (1997):
    "جمع الخبرات والمعرفة من جميع مصادرها داخل المؤسسة، ونقلها إلى الأماكن التي تحتاجها لتحقيق عوائد ملموسة."

  • Sveiby (2000):
    "فن استخراج القيمة من الأصول غير الملموسة."

  • Taft (2000):
    "علم يعتمد على إدراك طبيعة العمل والمنافسة عبر توظيف معرفة الموظفين."

  • O'Dell (2000):
    "استراتيجية تُعنى بتزويد الأشخاص المناسبين بالمعرفة المناسبة في الوقت المناسب."

  • Craig (2000):
    "دمج نظم المعلومات مع خبرات العمل لتحسين الأداء التنظيمي والابتكار."

تشير الإحصائيات إلى أن حوالي 82% من الخريجين لا يعملون في مجالات تخصصهم، ما يدل على وجود فجوة بين المعرفة المكتسبة والمعرفة المستثمرة، الأمر الذي يعكس الحاجة الماسة إلى إدارة فعالة للمعرفة داخل المؤسسات.


🔹 خامسًا: إدارة المعرفة المؤسساتية

📌 أهمية المعرفة المؤسسية:

المعرفة أصل استراتيجي لا يقل أهمية عن الموارد المالية أو البشرية. وهي تُمثل عنصر التميز في بيئة الأعمال الحديثة. نجاح المؤسسة اليوم يعتمد على قدرتها على استثمار معارف موظفيها وخبراتهم الفردية.

وقد تم عمل نموذج يمثل النمو الطبيعي لهذه المعرفة عن طريق الرسمة التالية والتي توضح العمليات الاربعة الهامة في نمو المعرفة وهي كالتالي:


Image result for knowledge spiral model


🔹 سادسًا: نموذج الحلزون المعرفي (SECI Model)

يوضح هذا النموذج دورة توليد المعرفة من خلال أربع مراحل مترابطة:

  1. التواصل والاحتكاك (Socialization):
    انتقال المعرفة الضمنية بين الأفراد من خلال التفاعل والملاحظة.

  2. التوثيق (Externalization):
    تحويل المعرفة الضمنية إلى موثقة من خلال الكتابة أو التوثيق الصريح.

  3. التنقيح والجمع (Combination):
    دمج وتنظيم المعرفة الموثقة لإنتاج معرفة جديدة أكثر شمولًا.

  4. التعلم (Internalization):
    اكتساب المعرفة الموثقة وتحويلها إلى معرفة ضمنية من خلال التعلم والتطبيق.

تُكرّر هذه الدورة باستمرار، مما يؤدي إلى نمو تصاعدي للمعرفة في المؤسسة على شكل حلزون لا نهائي.
أي انقطاع في هذه العملية يؤدي إلى جمود معرفي يهدد فعالية المؤسسة.


الخلاصة

في ظل التسارع الهائل في إنتاج المعلومات، لم تعد إدارة المعرفة خيارًا بل أصبحت ضرورة استراتيجية لضمان بقاء المؤسسات في بيئة تنافسية متغيرة.
وتمثل إدارة المعرفة الأداة التي تمكن المؤسسات من تحويل المعلومات إلى أصول قابلة للاستخدام والنمو، من خلال التفاعل البشري، والتوثيق المستمر، والتعلم الفعّال.

إن المؤسسة التي تُحسن إدارة معارفها ستكون أقدر على الابتكار، اتخاذ القرار، وتحقيق التميز المستدام.


المراجع


مفهوم إدارة المعرفة مفهوم إدارة المعرفة بواسطة Remocolla Academy في سبتمبر 19, 2025 تقييم: 5

ليست هناك تعليقات:

يتم التشغيل بواسطة Blogger.